تجميد البويضات تدّخل سافر في الحياة الأسرية

د. فايز ابوحميدان

طالعتنا الصحف بإستعداد بعض الشركات في الولايات المتحدة الأميركية تحمل التكاليف المادية لموظفاتها في حال قيامهن بتجميد بويضاتهن، بغرض إستخدامها لاحقاً، وتأخير إمكانية الحمل الى وقت متقدم بالعمر، وتسمى هذه العملية «social freezing»، وتصل تكاليفها من 10 الى 20 ألف دولار تتحملها الشركات.

هذا الخبر يفرح الكثيرين وخاصة أطباء العقم، وأنا كواحد منهم سوف أستفيد من هذا التطور حال وصوله الى بلادنا، لكن لدي ملاحظات كثيرة على هذا الموضوع، خاصةبعد أن خرجت هذه التقنية عن الغايات والمبررات التي دفعت علماء العقم والإنجاب لإبتكارها.

كالمعتاد جاءنا من بلاد العم سام فكرة وطريقة جديدة على العالم التعامل معها،و مع كل الإحترام للولايات المتحدة الأميركية وللتطورات الطبية التي مكنت العلماء فيها من حصد معظم جوائز نوبل للعلوم في الخمسين سنة الماضية إلا أنه يجب الحذر في الحكم على هذه التطورات العلمية القادمة من وراء البحار.

طبقت تقنية تأجيل الحمل أو إمكانية الإنجاب في فترة لاحقة قبل بضع سنوات لأسباب إنسانية ومرضية بحتة؛ لتحقيق حلم عدد من النساء اللواتي كن يتعالجن من الأمراض الخبيثة كالسرطان، وكان علاجهن يتطلب جلسات طويلة من الكيماوي، فتم تجميد البويضات لديهن ليتمكَّن من الحمل بعد الشفاء الذي قد يطول بمراحله المختلفة حتى يصل الى سن «الإياس». فمنذ اكثر من 10 سنوات كانت إمكانية تجميد البويضات أو الأجنة لتلك المريضات ونقلها لهن بعد انتهاء فترة الكيماوي موجودة، أي أن الطريقة ليست بجديدة، ولكن الجديد الآن هو إستعمال هذه التقنية لأسباب إجتماعية ومهنية، وليس لأسباب مرضية، خاصة عند السيدات اللواتي يمارسن مهن لها صفة قيادية أو أكاديمية. وبذلك أصبح بالإمكان تحقيق المكانة الإجتماعية المرموقة والصعود بالسلم الوظيفي بسرعة دون معيقات بسبب الحمل والإنجاب والتي سيتم تأجيلها لاحقاً حتى لو دخلت المرأة العاملة بسن «الإياس».

المنادون بهذا التوجه يتحدثون فقط عن الإيجابيات؛ لعدم إيقاف إبداع المرأة المهني عبر الحمل والإنجاب تحت شعار «freeze your eggs، free your career»، فقد نصحت مجلة بلوم بيرغ الاقتصادية «Bloomberg» الآباء بإهداء بناتهم محاولة لتجميد البويضات بدلاً من سيارة في سن المراهقة.

من الملاحظ أن شركات الإنترنت والكمبيوتر في «silicon valley» تحاول بكل الوسائل زيادة عدد العاملات من الإناث ضمن كوادرها، ولديها برامج مشجعة كثيرة كالعناية بالأطفال،تقديم الدعم المالي للمساعدة على الإنجاب، دفع رسوم تبني الأطفال، وتطورت الوسائل الى تجميد البويضات لجلب العنصر الأنثوي الى شركاتها حيث تعتبر هذه الوسائل جيدة ومثالية.
لكن هناك ملاحظات سلبية لهذه الوسيلة، فالله هو الذي يعطي وليس رب العمل، كما أن الإنجاب في سنوات متأخرة من العمر، له تبعات ومضاعفات طبية وإجتماعية سلبية، لا داعي لسردها الأن، كما أن نسبة الحمل في سن متأخرة متواضعة ونتائجها غير مرضية.

إنني أعتقد بأن التوجه بتجميد بويضات العاملات في شركة ابل وفيس بوك، هو «تدخل سافر» في الحياة الاجتماعية للمواطنين، وهم بذلك يقومون بتحويل أفكار وجدت أصلاً لأغراض إنسانية الى أفكار ميكانيكية، يمكن توجيهها والتحكم بها من قبل أصحاب الشركات، وبهذا التدخل أصبحت القدرة على الإنجاب مسألة تشبه شراء سيارة أو أي سلعة أخُرى، مما يبعدها عن قيمتها الإنسانية والإجتماعية، وتجعل الشركات تسيطر على حرية الحياة الشخصية التي كفلتها كل الأديان السماوية وأكدت عليها كل المواثيق الدولية الراعية لحقوق الإنسان، والأهم من ذلك كله أن هذه الشركات ستجعل تفكيرنا واعتقاداتنا اصطناعية وتجردها من معانيها السامية.
ان الإنجاب هو هدية من الله عز وجل وهو امر شخصي بحت لا يحق لأحد التدخل به.